{...وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ..}

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، أما بعد:
الحقيقة أنَّ هنالك معاني جمّاً تنطوي تحت كلمة (الحمد لله ربِّ العالمين) لا يعلمها إلاَّ الله:

فما من واقع يقع، ولا حادث يحدث ولا حال يحول ولا همّ ولا غم ينزل، ولا مرضٍ أو فقر وشدة تلمّ إلا وهي من الله تعالى فضل ونعمة وإحسان تسوقها وتنزلها يد الرحمن الرحيم، فهو تعالى دائم العناية بالخلْق، باسط يده على عباده بالحنان والرحمة يقلِّبهم من يسر إلى عسر ومن ضيق إلى فرج، ومن فقر إلى غنى، ومن غنى إلى فقر وفاقة، ومن صحة إلى مرض، ومن مرض إلى صحة، يحوِّل من حال إلى حال وكل ذلك منه تعالى تمحيص وتنقية لهذه النفس وكله منه تعالى مداواة وتطهير وتصفية، وكل ذلك فضل ورحمة وإحسان، فلو كُشف الغطاء لما اخترت غير ما اختاره لك الله ولرضيت بالواقع. قال تعالى:

{... وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} سورة البقرة: الآية (216).

"وفي الصبر على ما تكره خير كثير".

قال تعالى: {.. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة: الآية (155-157).

فالمؤمن إذا أصابته المصيبة، وحاقت به الشدة صبر واستسلم لأنه يعلم أن يد الحنَّان المنَّان إنما أنزلت به ما أنزلت من شدة، فكيف لا يرضى وكيف لا يستسلم، إنه يرضى ويستسلم لأنه يعلم رحمة الله، ويعلم حنان الله ويرى عناية الله، عنايته تعالى التي خلقت ما في الأرض وما في السموات لهذا الإنسان، عنايته تعالى التي سخَّرت الشمس وسخَّرت القمر دائبين، وسخَّرت الليل والنهار والأنهار والبحار، وخلقت من فواكه وأثمار ونباتات وأزهار وسهول وجبال، ومآكل ومشارب ولذائذ، خلقت كل ذلك وتخلق على الدوام فضلاً ومنَّة ورعاية لهذا الإنسان...

إنه يرى تلك العناية الإلۤهية المحيطة به، القائمة على هذا الكون كله والمشرفة عليه كله، إنه يرى دوام العناية الإلۤهية عليه في الليل والنهار، وفي كل لحظة من اللحظات.

فلو انقطع إمداده تعالى عن العين لما أبصرت وعن الأذن لصمَّت وما سمعت، وعن اللسان لتوقَّف وما نبس بكلمة، وعن الفكر لزال وما وعى وعن القلب لسكت وما نبض نبضة.

يرى المؤمن عناية الله تعالى به ظاهراً وباطناً فيستسلم لتصرُّفاته تعالى ويعلم أنها كلها خير وفضل ورحمة. ويحمده تعالى على كل حال.