{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}

أيها الإنسان أنت قبطان نفسك، فإما أن تظلمها وستحاسب حساباً عسيراً على تفريطك بحقّها، أو أن توردها موارد الإيمان والتقوى والنعيم والسعادة والجنات. يقول تبارك وتعالى في سورة الحديد:

{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ...}

والآن هكذا حال الناس وحال الدنيا، الكافر مفتون ومعجب بها ويميل لها ليتفاخر بها، وهذه الدنيا. ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾: مطرٍ. ﴿أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾: نزل على الأرض فَنَبَت به الزرع. ﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا﴾: إن هذا النبات يكبر ثم يصفر وييبس، ثم تنفخ فيه الريح، وهكذا حال الكافر في الدنيا ينال منها وتكبر وتكثر في عينه حتى إذا مات لم يجد مما كان لديه شيئاً إلا ما اكتسب من إثم.

﴿وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾: الإنسان عندما يرى نفسه قد أضاع حياته سدى، عندها يحترق وتتقطع نفسه، فيتألَّم أشد الألم. ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾: شفاء. ﴿مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ﴾: رضا من الله على الذين آمنوا وعملوا الصالحات، هؤلاء يرضى الله عنهم ويدخلهم الجنة.

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾: لا تغترَّ بها فلا المال يفيد ولا الأولاد، اعمل للآخرة لا للدنيا، لا تظنَّ أن الدنيا ستدوم، المغرور بها يضيّع آخرته سدى، المغرور بها يظنّها شيئاً وما هي بشيء.

{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}

﴿سَابِقُوا﴾: هذه الآية حثٌّ على الإيمان الشهودي للذين آمنوا بالله ورسوله ولم يكملوا إيمانهم بعد، ﴿سَابِقُوا﴾: أي أسرعوا. ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾: آمنوا بلا إلۤه إلا الله لتطهير نفوسكم مما علق بها من ذنوب وأدرانٍ وأمراضٍ نفسية. ﴿وَجَنَّةٍ﴾: ثم بعد الإيمان والعمل الصالح إقبال على الله سبحانه وعروجٌ ورقيٌ بالله، فالجنة هي مشاهدة لوجه الله الكريم ودائماً بتوسع والنفس لا تقف عند حد، وليس لعطاء الله حد ولا نهاية. ﴿عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾: حرف الكاف في كلمة (عَرْضِ) للتشبيه، هؤلاء المؤمنون لم يصلوا بعد للجنة ولا يعرفونها والذي لا يعرف يُشبَّه له.

أي كما أن عطاءات وخيرات رب العالمين تأتي إلينا وتغمرنا بكل ما نطلبه ولا تنقطع على الأجيال من لذائذ ومأكولات ومشروبات ومشهودات مادية وروائع في الصنع وآيات في جمال الطبيعة وما ينتج عنها من ثمرات وحليب ومشتقاتها ومن بنين وبنات ومن كل ما تستحليه العين وتلذّ به النفس وهذه العطاءات أيضاً دائمية في الآخرة ولكن بمقاييس كبرى وأحجام عظمى لا تكاد تذكر هذه العطاءات المادية الثمينة تجاهها إلا قليل.

ومن كلمة (عَرْضِ) تشتق كلمة مَعرَض والمعرض يعرضون فيه كل جديد وكل حديث وكل المتطورات والتحسينات، فهذه السماوات والأرض كما هي معروضة عليك وتُمنَحَها وتأخذها كذلك الجنة معروضة عليك تُمنحها عن طريق عين النفس ومن لا صلاة له بالله فهو أعمى القلب بالآخرة هذا هو المحروم، فهذه المعروضات ونتاجها كلها للإنسان وكذلك هذا الأمر يستمر بالآخرة. ﴿كَعَرْضِ﴾: أي عرض الله من خلقه العظيم الكثير لن يعجزه سبحانه تأمين الجنة التي وعد بها. ﴿أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾: كل من شاء منكم الله يعطيه، المشيئة لك اصدق بالطلب الله يعطيك ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾: فضله ما له نهاية.

اطلب يختصك، خلقك لهذا، ليتفضَّل عليك بعطائه وجناته، فضله واسع عظيم من طلب أعطاه من فضله والأجر على قدر المشقة.