قبل أن تُعجب أيها الإنسان بنفسك انظر لبدايتك

من كل شيء خلق سبحانه وتعالى زوجين اثنين، كل الخلائق من هذين النوعين ذكر وأنثى، الأسماك... الطيور... الإنس والجن. بالأصل كلنا نفوس لا فرق بين نفس ونفس، والله سبحانه وتعالى ألبس كل نفس الثوب المناسب لها، فجعل منها الذكر والأنثى، وصاروا بالدنيا مقيدين بهذه الوظيفة. يقول تبارك وتعالى في سورة النجم:

﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾:

إذن هو سبحانه وتعالى الذي خلقهم، فلماذا يتركون الله ويلتفتون لبعضهم ويعرضون عنه ظهرياً؟ وهو الذي رتّبهم ومنه الجمال ومنه الإمداد، الدنيا وما فيها عارية مستردّة وستذهب بعد قليل، كالسينما طالما أن الضوء ساقطٌ على القماش المسدل ترى أناساً يغدون وآخرين يروحون وقصصاً مختلفةً تدور وأحداثاً عظاماً تجري، ثم وما أن ينقطع النور حتى يزول كل شيء ويختفي، فترى قطعة القماش وقد خلت مما كان كله...

وكذلك الدنيا تنقضي وتزول عند الموت ولا يبقى إلا الله تعالى، فما حال هذا الإنسان المعرض ساعتها وقد أعرض عنه تعالى والتفت للزائل المنقضي؟

﴿مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾:

فلماذا العُجب؟! قبل أن تُعجب أيها الإنسان بنفسك، وتتعالى على غيرك بغير الحق، انظر لبدايتك، ماذا كنت؟ ومن أي طريق خرجت؟ من نطفة خلقك تعالى. ليفكّر الإنسان بهذا حتى يتنازل عن كبره ولا يعتز بنفسه، بل يعتز بالذي خلقه ويعطيه ويمدّه ويعتز بإمامه ورسوله ﷺ.

﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى﴾:

سبحانه وتعالى بكلمة منه (كن) تقوم الخلائق كلها يوم القيامة، فما أعظم هذا الرب العظيم! ألا تلتفت إليه وتسمع كلامه وتطبِّق أوامره، لماذا تنسب الفعل لغيره؟

الذي خلقك من نطفة أيُعجزه خلقك مرة ثانية! ألا يدلّ هذا الخلق على قدرة الخالق وعظمته جلَّ وعلا وأنه قادر على خلقك ثانية للسؤال والحساب؟

يجب أن يشاهد الإنسان أنّ الله سوف يعيد الخلائق مرة ثانية، يشاهدها من الآن كما حصل للسحرة مع سيدنا موسى عندما قدّروه وعظّموا علمه فشاهدوا الآخرة وتحدّثوا عن أحوال أهل الجنة وأهل النار، كل ذلك شاهدوه بمعيَّته ﷺ.