ما هي التقوى وكيف الطريق إليها؟

يقول تبارك وتعالى في سورة النور: {اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (سورة النور، الآية 35).

﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾: به تَرى وبنوره ما في السماوات والأرض، كأن تقول الحُبَابة "زجاجة الكهرباء" نور الغرفة، أي بها ترى ما فيها. ولا تُرى السماوات والأرض إلا بنور الله. بنور الله ترى طريق سعادتك، بنوره ترى ما في السماوات والأرض، وبنوره ترى ما فيها من آيات فتتعظ بها، فما من شيء يُرى إلا بالله، أنت ترى الصور لكن الحقائق بالله "الحيّة منظرها جميل لكن في أنيابها السم ناقع، كذلك الدنيا كالحية" لا تُرى الحقائق إلا بالله. بعد الإيمان تصل للتقوى، الإيمان بالله قبله الإيمان بالتربية، التفكير بالموت والآخرة، إن صار الإنسان مؤمناً بالله فعندها يصل للتقوى، فكل ما في السماوات والأرض لا يُرى إلا بنور الله، ومن لا يستضيء بنور الله فهو في ظلمة لا يرى حقيقتها.

كيف الوصول لنور اللَّه:

﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾: كيف يحصل لك. ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾: "طاقة" غير نافذة وهي الصدر، أي قفص، وهو صدر الإنسان، الصدر "طاقة" فيها سراج، في القفص ضوء هو النفس. ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾: يعني النفس، فالصدر فيه النفس. ﴿الْمِصْبَاحُ﴾: هو النفس. ﴿فِي زُجَاجَةٍ﴾: وهو الجسم الذي تسري فيه وبه النفس. تسري النفس في جميع أنحاء الجسم. ﴿الزُّجَاجَةُ﴾: إن صار فيها النور الإلٓهي. ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾: تدرُّ منه الخيرات، بالله تصبح تدرُّ الخيرات، يدرُّ عليك الخير أيها الإنسان إذ صرت ترى الخير خيراً والشر شراً، يصبح جسمك كله فعل معروف وإحسان، فإذا صار المؤمن وبنفسه هذا النور صار كله إحساناً. فالمؤمن يصبح وجهه جميلاً، وفعله خيراً، كله يدرُّ الخيرات.

المؤمن يعرف الواجب ويشعر به، وكل مساء يحاسب نفسه هل أدّى واجبه، هل طبَّق؟ لا يؤذي أحداً، يلمع وجهه حينئذ.

كيف صار كوكباً درياً؟

﴿يُوقَدُ﴾: هذا الكوكب يُشْعَل. حتى يصبح المؤمن كوكباً درّياً، المصباح يُشْعَل: ﴿مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾: نفس رسول الله ﷺ التي تشربت بالإقبال على الله، المصطفى عليه السلام هو الشجرة. ﴿زَيْتُونَةٍ﴾: مملوءة بالزيت ولا تراه، كالزيت تُشعل. كشجرة الزيتون كيف أن الزيت سارٍ بها ولا يُرى، كذلك ﷺ التجلي الإلٓهي سارٍ فيه، فهو سراج لأهل التقوى، فيه الخير الكثير مثل شجرة الزيتون مملوءة بالزيت ولا يُرى. الزيتونة: هل يُرى الزيت أنه سارٍ فيها، كذلك تجلي الحضرة الإلٓهية سارٍ به ﷺ. ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: ليست مخصصة لفئة دون فئة، أينما وكيفما اتجهت إليها وجدتها، أي متى أردت الصلة به يا مؤمن وجدته، إذا أحببت رسول الله ﷺ حيثما اتجهت اجتمعت به، فهو ﷺ للعالمين كلهم غير مخصّص بجماعة دون آخرين، رحمة للعالمين، فمن حيث اتجهت اجتمعت. الحب يتم بعد الإيمان وعمل الإحسان فالإقبال واشتقاق الكمال.

الكامل يحب أهل الكمال ويحب رسول الله ﷺ، هذا الإنسان حيثما اتجه تعلق قلبه برسول الله ﷺ. ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾: ذات علم إشراقي لا من الشرق ولا من الغرب بل من الله تعالى مباشرة ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾: يكفي أن تصاحب النفس نفس رسول الله ﷺ حتى تستضيء وترى. ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾: نفس المصطفى عليه الصلاة والسلام نورها الساري فيها من الله يضيء عليك إذا اتجهت نحوه، بمجرد صلتك برسول الله ﷺ ترى كمال الله، فالنور المحمدي يضيء عليك أيها المرتبط ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾: يشع هذا النور في نفسك، دون إضرام نار التفكير ولا اعتصار أفكار.

﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾: هذا النور من هذا النور. نور نفسك على نور المصطفى ﷺ فترى الحضرة الإلٓهية، وهكذا نور نفسك مع نور المصطفى ﷺ فتهتدي للحق، لقد ارتبطت نفسك بنفس رسول الله ﷺ فهو سراج لأهل التقوى ﴿...وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ "وهذه حقيقة الشفاعة" لا يحصل هذا إلا للمؤمن الكامل فعندئذ يستطيع مصاحبة أهل الكمال. ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾: كل من طلب النور هداه الله إليه، كل من شاء اهتدى، كل من طلب، هذا ليس مخصصاً بشخص دون آخر، فالله تعالى ما قيَّد ذلك كل من شاء يحصل له، أنت تختار والله الفعَّال، لابد من صدق، وإن لم توقن بالموت لن تصدق، قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} سورة الأنعام – الآية:90

فسر على الطريق الذي سار به الرسل الكرام تصل للتقوى.

﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾: لكم. ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾: إن كنت صادقاً هداك الله لهذا النور، الاختيار لك، إذن التقوى طريقها الإيمان.