الدنيا برق غرَّار خدَّاع ولكنه في الآخرة محرقٌ

سبحانه وتعالى في رحمته، الله جلَّ سناه وتعاظم نور بهاه.. ما أرحمه وما أعظم حنانه بنا!
لا يترك سبحانه وتعالى مناسبة ولا فرصة مواتية لإرشاد هذا الإنسان التائه والأخذ بيده من براثن الدنيا الدَّنية إلاَّ ويسخِّرها حبّاً بنا وبنجاتنا، ولم يخلقنا إلاَّ للسعادة.

فما بال هذا الإنسان وقد حمل ما أشفقت من حمله الأرض والجبال والسموات وما فيهن من مخلوقات، إذ حمل الأمانة.

أي بمجيئه للدنيا سيتصل بربِّه ولا ينقطع عنه، ويهتدي بكلِّ أموره بهداه، فيحظى بجنانه وأعطياته العظمى، ولما في عدم صون الأمانة من خسارة تحلُّ بساحة النفس وقد فقدت كل ما خوَّلها الله من عطاء وكرم لم تره عين في دنيا مادية، ولم تسمعه أذن بلحن وترٍ موسيقي، ولا بوصفٍ من بهرج الدنيا وطيالسها وزخرفها، ولم يخطر على قلب طغت عليه المادة فأرهقته وأصبحت جلَّ همه.

عجباً.. إلى أين المسير، وإلى متى التأميل فما هذه الدنيا بدار البقاء ولا الخلود، فالقبر موعدنا، وللصعيد الذي منه نشأت الخلائق ونشأنا؛ وصعدَت وصعدنا للتراب مآلنا.

فعلام نؤمِّل بالدنيا وقد أصبحت معشوقتنا!!. وطغت المادة على قلوبنا حتى أفقدتنا طعم الصلة بالله والتي بها الحياة الحقيقية التي لا تعادلها لذة وحلاوة في الدنيا بأكبر مفاتنها.

لقد بات القلب عطشاناً لأنه لم يشرب من ماء الحياة الغدق الذي أعده الله جل جلاله للطائعين له. فالمادة لا ترويه وتعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، لأنه لو ملك ثروات الأرض وما فيها من مشتهيات لما روَّت قلبه المسكين الذي دفنه وأماته بالمادة، وأضاع نوره وخان الأمانة التي تصدى لحملها طمعاً بعظيم العطاء الذي لا يتصور مدى خيراته.

أما صاحب القلب الميِّت بالدنيا، الأعمى عن نور ربِّه البهي السَّني المحمَّل بالغبطة والحياة.. تبكيه الأنبياء والمرسلين وتتفطَّر عليه قلوبهم الشريفة النيِّرة المنيرة.. كيف يلهو عن ربِّه ويخون عهده ويظلم نفسه بمادة دنيّة مسخَّرة له لأنه هو السيد وهي المذلَّلة تحت أقدامه.

كيف أصبح مسخراً لها ذليلاً تحت أقدامها!!. فأضاعته وشتَّتت وجودَه وضرَّسته بأنيابها ووطأته بميسمها ملصقةً بنفسه من العيوب التي ستحرقه ألماً وحسرة في اليوم الموعود وإلى النار الموقدة ستضطره لتخفف عنه ألم حسرته ولوعته وذل جاهه المهين الدفين.

وفي القرآن الكريم ... الله سبحانه وتعالى يعِظنا أن تلافَ أمرك يا إنسان وعد لرشدك قبل فوات الأوان، فهذه الدنيا برق غرَّار خدَّاع ولكنه في الآخرة محرقٌ، وهي طيفٌ لكنه راحل، وإن كانت شَهْداً ففيه سمٌّ قاتل.