{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}

هذا الكون كله ضمن قوانين وله نظام صارم بالدّقة، وأنت أيها الإنسان أليس لك نظام؟ بلى، لقد بيَّنه تعالى لك في القرآن الكريم، فالذين سمعوا كلام المربي ففكَّروا وسلكوا القانون الذي سنّه سبحانه وتعالى؛ لهم الحياة الطيِّبة دنيا وآخرة..
أمّا من لم يفكِّر فلم يسر على القوانين الإلٓهية غداً له البؤس والشقاء الأبدي، ولات ساعة مندم. أنت قارن بين سير المؤمن والمعرض ونتائجهما، يقول سبحانه وتعالى في سورة الرعد:

  • {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}؟ سيْر الاثنين هل هو متماثل؟ الأول إنسان، والثاني سافل منحط، هل عمل المؤمن كعمل الجاهل؟ جعل لك تعالى كافة الترتيبات لكي تعمل المعروف، وتكون نيتك طيبة، خلقت أنت لهذا الشيء. فكِّر يا إنسان، انظر لمن حصلت له المعرفة بالله تعالى، هل معاملته كمعاملة البعيد عن الله؟ عامل هذا وهذا وانظر لنفسك هل أنت إنسان؟
    {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الْأَلْبَابِ}: لا القشور؛ اللب ينتفع به. لا يعرف الفضل إلا ذووه، ولا يعرف أهل الإيمان إلَّا أهل الإيمان. فمن غدا طاهر القلب إذ صار من أهل الإيمان هذا يعرف هذا الشيء. من هم أولو الألباب؟
  • {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ}: في الأزل، كافة الخلق عاهدوا الله قبل مجيئهم للدنيا بأنهم إن جاؤوا للدنيا فإنهم يظلُّون مقبلين متمسِّكين. {وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ}: ما جاء به الرسل، جاء للدنيا وثبت على الحق. عاهد وصدق عهده.
  • {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}: دائماً أنفسهم مرتبطة بالله. رتَّب الله لهم قانوناً فساروا عليه، وظلَّت نفوسهم دائمة الصلة، وذلك بأن يجعل صلته برسول الله ﷺ. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: دائماً يحسب حساب المربي. {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}: عرفوا عدل الله وأنه سيأتي يوم ينال فيه كل إنسان حقَّه، ويخاف أن يخجل غداً بين يدي الله، ما هو الطريق الذي سلكوه حتى وصلوا لذلك؟
  • {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ}: صبروا عن الدنيا وشهواتها، عن المعاصي، على الشدائد لكي يحظوا بالإقبال على الله، {ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}: طالب رضاء الله. {وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ}: أولاً: صبر وترك المنكر بالكليَّة، وأقام الصلاة. وكيف أقامها؟

    فعل المعروف، تصدَّق بيده، بلسانه، بماله، وبنفسه. بهذه الأعمال أقام الصلاة "هذا هو الطريق لكي تصل نفسك بما أمر الله به أن يوصل" وعندها صلَّى وأقبل على الله، رأى حنان الله ورحمته ورأفته على جميع المخلوقات، فما من شيء إلَّا ورحمة الله حافَّة به. فهم يفعلون الخيرات لتدخل نفوسهم على الله، ومن لا شيء عنده نيَّته ترقى به.

    {وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً}: بعمل المعروف يصبح وله إقبال على اللَّه، عندها صار ممن: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}: يعامل كل إنسان، كل مخلوق بالإحسان. يقابل السوء بالإحسان، تعامل المسيء لك بما يناسبه وعلى حسب الحكمة ممَّا فيه خيره ونفعه، هو أخوك، عليك أن تسعى في الإحسان إليه لتردَّه للحق. {أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}: غداً: هؤلاء لهم الجنَّة، الجنَّة تتوقف على عملك.

    نكرِّر:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}: فمن هم؟ {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}: دوماً قلبه مرتبط بالله تعالى. {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}: دائماً حاسب حساب المربي. {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ}: يعرف أن الله سيعطي كلَّ امرئٍ حقَّه. {وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}: عن الشهوات الدنيا وزخارفها، النساء، البنايات، الملاهي، حتى يحصل لهم إقبال. {وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ}: فعلوا المعروف.

    {وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ}: فالصلة لا تكون إلَّا بترك المنكر بالكلية والمعروف قدر المستطاع. {أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ}: فما هي عقبى الدار؟ وما هو بعد هذه الحياة؟

  • {جَنَّاتُ عَدْنٍ}: هي جنات دائمية من جنَّة لجنَّة. {يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ}: من الخير الذي قدَّموه، فيدخلون عليهم بأعمالهم التي فعلوها، فالدنيا جميلة، لكن العمر الطويل حسن إن كان معه عمل صالح.
  • {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}: ما أجملها! هؤلاء لهم الجنَّة. الجنَّة تتوقف على عملك.