بهذا الشرف العظيم والحبِّ الكريم يخاطب بارئنا حبيبه ﷺ

بسم الله الرحمن الرحيم.

يقول سبحانه وتعالى مخاطباً رسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا، وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا} (سورة الأحزاب 45 - 48)

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}: بهذا الشرف العظيم والحب الكريم يخاطب بارئنا حبيبه ﷺ المرضي المحمود، هذه وظيفته ﷺ يتنبَّأ الحقَّ من ربِّه ويريك إيَّاه. فأطع رسول الله علّك تحظى بما حظي بمشاهدة نبوَّته. {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا}: (إِنَّا): بصيغة الجمع تتضمن أنوار ورحمات وبحار فضل وإحسان وحنان الله وتجلِّيات العلا بأسمائه الحسنى.

{أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا}: شاهداً لهم لآيات الكون، ولكن لمن يشهد رسول الله ﷺ وكيف يشهد؟ يشهد للذي آمن بالله واستقام فصلَّى، يشهد لمن فكَّر بالموت حتى خافت نفسه، وخاف من النتائج التي ستعود عليه من سيره بغير الحق، وخاف النار في الآخرة، هنالك طلب الحقَّ والحقيقة، فنظر في الكون وآياته وفكر به فشاهد ربَّه من خلاله، ورأى الله معه، قريباً منه رقيباً عليه ومشاهداً له فاستقام، وباستقامته على طاعة ربِّه يحصل لنفسه ثقة بأن الله راضٍ عنها فتؤمن به سبحانه، وبمعيَّة رسول الله ﷺ تُقبل على الله، هذا المؤمن يشهد له رسول الله ﷺ التربية لهذا الكون والتجلي الإلٓهي‏ عليه والخلق والخالق والإمداد بالأنوار، ويشهد له أسماء الله الحسنى وكيف أن الله متجلٍّ على الكون بعلمه ورحمته وقدرته. ويشهد للمؤمنين إيمانهم فيمزجه رحيقاً واسعاً أبيّاً دائماً سرمدياً لا تبغي النفس عنه حولاً.

{وَمُبَشِّرًا}: لمن فكّر وشاهد، للذي آمن يبشره بالجنة، بشارات مشهودة ذوقيَّة يعيها القلب المؤمن الصادق. {وَنَذِيرًا}: للمعرض الذي ما فكر فما آمن، ينذره من مصائب الدنيا وعذاب القبر والنار.

{وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}

{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ}: للمقبل، يعرج فيه إلى الله "إنما بُعثت معلماً" رواه ابن ماجة، رقم 229. "إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأَخلَاق" أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة.

{بِإِذْنِهِ}: لمن تولَّدت في نفسه ثقة يُقبل بإذنه: الطاهر يدخل، لا يكون هذا إلا إذا سار الإنسان بالقوانين التي رسمها الله له وبيَّنها على لسان رسوله ﷺ، وهي التفكير بالموت والاستقامة على أمر الله والتفكير بالكون عندها يأذن الله لرسوله. فليس في قلبه ﷺ إلا الله، والجسر لا يقوم إلا بطرفين، فمن لم يصدق فلن يأذن الله لرسوله بإضاعة عمره الثمين معه للسدى مع من لن ينتفع اليوم ولا غداً. {وَسِرَاجًا مُنِيرًا}: هذا المؤمن صار له رسول الله ﷺ سراجه ونوره يرى به الحقائق، يرى الخير خيراً والشر شراً، صار يرى بعين القلب حقيقة الدنيا، وهذا المؤمن يفدي رسول الله ﷺ بكل شيء، لأنه يرى أن الفضل والجنّات والنوال الذي جاءه كان عن طريقه ﷺ، وبسببه.

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلًا كَبِيرًا}

{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}: بما سينالونه من عطاء كبير بسبب إيمانهم وأعمالهم. {بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ‏ فَضْلًا كَبِيرًا}: لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، الدنيا مجموعة طاعات إن طبَّقها الإنسان وصل ونال الجنات.

{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا}

{وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}: لا تسكت لهم. {وَدَعْ أَذَاهُمْ}: لا تهتم بما يقولون. {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}: لك، وكيلاً على الكون كلِّه بالتسيير والإمداد والتربية.