الغاية من استقبال الكعبة المشرفة في الصلاة

الحقيقة نحن في صلاتنا واستقبالنا الكعبة لا نعبد الكعبة ولا نتَّجه إلى الأحجار، بل إنما نتَّجه من ذلك المسجد الحرام إلى الله.

ونحن لا نعبد رسول الله، بل إنما نتَّخذه لنا في صلاتنا إماماً وفي نفوسنا سراجاً منيراً، تدخل نفوسنا متى أرادت الإقبال على الله من ذلك المكان فتجد إمامها به فتقتدي به وتُقبل على الله بمعيَّته وهو لها نِعْمَ الإمام وخير رفيق.

وتستنير بالنور الإلهي الساطع على نفسه ﷺ بسبب إقباله على الله، ويُريها بعض ما استكنَّ في أوامره تعالى من الأسرار والخيرات. وهذا يُبيِّن لنا سرَّ قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} سورة الأحزاب: الآية (56).

فما أمرنا الله تعالى بالصلاة على هذا الرسول الكريم إلاَّ لنصل نفوسنا به فتدخل على الله بمعيَّته، وتستنير بذلك النور الإلهي الساطع على نفسه. ومن لا صلة له برسول الله ﷺ، ومن لا محبَّة له بهذا الرسول الكريم ﷺ فليس بمستطيع مهما حاول وجهد أن يُصلِّي الصلاة التي أمر بها الله، وهو محروم من ذوق الإقبال على الله، أعشى البصيرة عن رؤية كمال الله، وهو ليس بمدرك شيئاً ممَّا يقرؤه من آيات، قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ...} سورة الأنعام: الآية (39).

أقول: والاتجاه إلى الله تعالى من طريق الكعبة ما هو بالأمر الجديد الذي جاء به سيدنا محمد ﷺ عن لسان الله، بل إنما جعلها الله تعالى قبلة العالمين منذ عهد سيدنا إبراهيم ﷺ. وقد ذكر لنا تعالى أن سيدنا إبراهيم ﷺ إنما كان يعلِّم الناس من قبل قواعد الاتجاه إليه تعالى من طريق هذا البيت. فقال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} سورة البقرة: الآية (127).

وليست الكعبة قبلة لسيدنا إبراهيم فحسب، بل إنما هي أول بيت وضع للناس منذ أن أوجدهم الله تعالى على سطح هذه الأرض، وإن شئت فقل من لَدُن آدم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً...} سورة آل عمران: الآية (96-97).

فالكعبة إذن هي الوسيلة في قيام وجهة الأنفس إلى خالقها في الصلاة وإلى ذلك أشارت الآية الكريمة، قال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ...} سورة المائدة: الآية (97).

ومشروعية ذلك كما رأيت أن تجتمع الأنفس في كل زمان برسولها المجتمعة نفسه من ذلك المكان إلى الله.

أما وقد شرَّف الله تعالى العالم ببعثة سيِّد ولد آدم فهو ﷺ إمامنا وإمام العالمين. وروح الصلاة أن تُقبل على الله بمعيَّته، وتعرج نفسك إلى الله تعالى برفقته. ومن يؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور.