{الٓر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ...}

بسم الله الرحمن الرحيم.

يقول سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم: {الٓر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}

{الٓر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ}: من أنت؟
ألا يجب أن يكون الخطاب بـ (الٓر) وما بعدها موجَّهاً لشخص؟ وكلمة: (إِلَيْكَ) فيها كاف الخطاب لمخاطَب، على من أُنزل؟
إذن أليست (الٓر) رموز فيها خطاب لرسول الله ﷺ؟ والآن:

(الٓر): يخاطب الله تعالى حبيبه: (ا): يا أحمد الخلق، (ل): يا لطيفاً، صرت للعالمين شفيعاً، حيث أنه لم يحمدني أحد مثلك. (ر): يا رحيماً بعبادي.

لماذا جعله الله تعالى خليفة؟ لرحمته. فخير الخلق وأرحمهم جعله تعالى خليفة له، تماماً كما يفعل الحاكم المنصف يولِّي خير الناس وصياً على الأيتام. هذا الخطاب أنزلناه إليك، أي: لرسول الله. {كِتَابٌ}: طبع في نفسك. {أَنْزَلْنَاهُ}: الآن. {إِلَيْكَ}: لرسول الله ﷺ. {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: فما هي هذه الظلمات والنور؟

الدنيا: لها صورة ولها حقيقة، المؤمن يرى ما فيها من خير وشر. فبنظرة لظاهر الدنيا تجدها جميلة، لكنها في حقيقتها حيَّة مخيفة، أنت جئت للدنيا لمدة مؤقتة، خلق لك الدنيا لتصبح ذا بصيرة: تفعل المعروف فيغدو لك وجه تقبل به على الله.

{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}: ولا تستطيع إن لم يصْدقوا. {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}: الصراط: تفكِّر بالموت لتجمع نفسك إلى فكرك، تفكِّر فترى المربِّي، تفكِّر فتصل للمسيِّر، لكلمة لا ‏إلٓه ‏إلَّا الله، إن آمنت به استقمت، صلَّيت، انتقش الكمال بنفسك منه، تحب أهل الكمال فتقبل معهم على الله، ترى بنوره الخير خيراً، والشر شراً.

وهكذا المؤمن إذا نظر بنور الله يرى الخير خيراً، والشر شراً.

فالإنسان يسعى كي يصبح ذا بصيرة يرى بها الحقائق، فالدنيا خطرة، وعلى الإنسان أن يجتهد كي لا يقع فيها. الدنيا: إن لحقت بها تبقى دوماً في نغص، وكذلك في الآخرة هلاك.

{بِإِذْنِ رَبِّهِمْ}: إن لم يصْدق الإنسان فلن يفكِّر. متى صدقت اجتمعت نفسك وفكرك معاً، كذلك كلُّ آية في الكون إن عمَّقت فيها تصل للكل.
لا بدَّ من التفكير ومواصلة التفكير. فإن أخذت تفاحة وتتبَّعتها وفكَّرت بها توصَّلت... {إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}: إلى طريق الحضرة الإلٓهية.

جعل الله تعالى للإنسان عيناً وأذناً وملَكاً يناديه: يا عبد الله فكِّر بآيات الله، بأصلك: نطفة، من أين جاءت؟
وفي سورة البقرة قال تعالى: (الٓم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ...) سورة البقرة، الآية (1-3). كيف آمنوا؟

أصلي نطفة؛ من أين جاءت؟ من الأب، من ثمرات، من تراب، ببطن أمي، كيف تكوَّنت؟ لمَّا ولدت، كيف تتزايد نسبة الغذاء والدسم في الحليب الذي أرضعه من أمي؟ متى كبرت سأموت، ماذا وراء الموت؟ إن عرف أنه سيموت صدق. إن فكَّرت هذا التفكير اهتديت، فكِّر عندها بالشمس، بالنجوم، بالغيْم، بالمطر، الأمطار كيف تتكوَّن منها الثمرات؟ عندها يؤمن بلا ‏إلٓه ‏إلَّا الله. ولن يؤمن ما لم يفكِّر ويعقل. (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ...) سورة البقرة، الآية (4). سمع من الرسول، من أهل الإرشاد وعقل فاهتدى.

لذلك (الٓر): لإيقاظ التفكير، فكِّر إلى أن تهتدي.

{مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}: إن صرت مؤمناً، الإيمان يدعوك للعمل الصالح، يحفظك من السوء، كيفما تحوَّلت ترى الله معك. نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، والعكس صحيح.

بالمعروف: تتولد الثقة أن الله تعالى راضٍ، بالثقة الحاصلة من فعل المعروف يقبل المرء على الله تعالى، وبالصلاة الصحيحة تطهر النفس ويصبح المرء كاملاً، فيحب أهل الكمال: إن سمع (الٓر) تجتمع نفسه بالصلاة برسول الله ﷺ ويدخل معه على الله، عندها يرى أسماء الله جلَّ جلاله، فبقدر حبه يرى ويحب فيعشق حضرة الله الرحيم، ويستنير بنور الله فيرى الخير خيراً وذلك إذا صلَّيت مع رسول الله ﷺ.