انظر وفكِّر أيها الإنسان في أصلك، وما كنت عليه!

بسم الله الرحمن الرحيم

يريد سبحانه وتعالى في الآيات الكريمة التالية أن يلفت نظر الإنسان إلى نفسه ويعرَّفه بأصله ممَّ خُلق، فلعلّه إذا قايس وقارن عرف نفسه وضعفه وعرف خالقه وعظمته، فقال جلّ شأنه: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ، فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (سورة المرسلات، الآيات 20 - 24)

{أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}:

محتقر بنظركم. أي انظر أيها الإنسان وفكِّر في أصلك وما كنت عليه وكيف تكوَّنت وممَّ خلقت. وقد أراد تعالى في هذه الآية الكريمة أن يغضَّ من كبرياء هذا الإنسان... خلقت من ذلك الماء الذي تحتقره وتشمئزّ منه. ومن هذا الماء تكوَّنت. كنت تسبح به مع ملايين النطاف وصرت إنساناً سوياً، فمن ذلك الماء المهين خلقك الله سبحانه وتعالى وجعل لك ما جعل من الأجهزة والأعضاء والدم والعروق والعظام.

أفلا تفكِّر بهذا كلّه؟! أفلا تفكِّر بفضله تعالى عليك؟! ولولا ما خلق الله لك في أحسن تقويم ما كنت لتستطيع أن تعمل شيئاً. إن فكرت بهذا اهتديت وعرفت أن لك خالقاً مربياً ومسيِّراً فتقبل عليه وينطبع بك الكمال والرحمة والحنان، فتعمل المعروف وتنال الجنة.

{فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}:

بأمان، في رحم الأم المكان المناسب الجامع للشرائط الضرورية لحياة الجنين، ففيه الحرارة المناسبة والغذاء اللازم لك، فمَن الذي أوجد لك هذه الشرائط الضرورية لحياتك، وجعل لك رحم أمك مستودعاً أميناً وقراراً مكيناً حتى صرت إنساناً سوياً كامل الخلقة؟ أفتنسى هذا الفضل وهذه الرحمة والعناية التي رعاك ويرعاك الله بها حين تبلغ أشدّك؟!.

فمن الذي أودع الابن في صلب أبيه؟.أم من هذا الذي نقله إلى رحم أمه وجعل يرعاه بعين عنايته ويربِّيه؟.
من الذي خلق النطفة علقة، ثم خلق العلقة مضغة، ثم خلق المضغة عظاماً، فكسا العظام لحماً، وجعل لهذا المخلوق الجديد معدة وأمعاء وكبداً وقلباً؟. من الذي جعل له أعصاباً وعروقاً وأجهزة وأعضاء مناسبة؟. من الذي ركَّب الإنسان هذا التركيب البديع؟.

أفنطفة من ماء مهين، أفجرثوم صغير يستطيع أن ينقلب بنفسه ويتطوّر فيصبح إنساناً سوياً دون أن يربّيه مربٍّ ويعنى فيه؟. أم هل خلقك أبوك؟.أم خلقتك أمك؟. أم أنّ خالقاً عظيماً خلقك وعُني بك حتى صرت بهذا الحال الذي أنت عليه؟. أفبعد أن بلَغتَ أشدَّك وصرت رجلاً نسيت خالقك وإحسانه إليك؟.

أفلا تفكِّر في أصلك ممَّ خُلقت، وقد أتى عليك حينٌ من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً؟.
أفلا تذكر ذلك اليوم الذي كنت فيه مخلوقاً ضعيفاً وجرثوماً ضئيلاً!.
أفلا تنظر إلى نفسك يوم كنت تسبح في النطفة مع ملايين الملايين من الجراثيم، ولا تستطيع أن تراك يومئذ لِدقَّتك العينُ!.أفلا تثوب إلى رشدك فتذكر تلك القدرة التي خلقتك، واليد الرحيمة الحكيمة التي عُنيت بك وربَّتك، فتعلم أن لك خالقاً عظيماً وإلهاً قديراً ومربّياً رحيماً.

{إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ}: تسعة أشهر أو سبعة أشهر "سبيعي". {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ}: بأثنائها أنعمنا عليه بالخلق والسمع والبصر والفؤاد. {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}: الذين ما فكروا بهذا الشيء، فهؤلاء سيكونون خاسرين.